تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٤٢
داعين اللّه أن يغفر ذنوبهم، ومظهرين الخضوع والخشوع لله تعالى قائلين : حِطَّةٌ أي أمرنا حطة، والمعنى : حط عنا أوزارنا وخطايانا، ووعدهم اللّه على الطاعة بشيئين : الغفران وزيادة الإحسان. قال اللّه تعالى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ
[يونس : ١٠/ ٢٦] أي الجنة والنظر لوجه اللّه تعالى الكريم.
أمرهم اللّه أن يسكنوا القرية، والسكنى أخص من الدخول، فمن يسكن يدخل قطعا، ولا عكس. والدخول لأجل الأكل يعقبه الأكل، والمراد الإذن بالانتفاع بخيرات المدينة أو القرية، حيث شاؤوا، حضرا أو سفرا، ليلا ونهارا. ولكن طبيعة الإسرائيليين الغريبة التي يغلب عليها العصيان والتمرد، أبت عليهم إلا تحدي الأمر الإلهي والتنكر له، والتجرؤ على المخالفة بالقول والفعل، فقالوا وهم داخلون إلى القرية :«حبّة في شعرة» أو «حنطة في شعيرة» بدل حِطَّةٌ وزحفوا على أستاههم (أدبارهم) بدل تنكيس رؤوسهم وخشوعهم وتواضعهم لله، شكرا على نعمه عند دخول القرية، والتنعم بخيراتها من طعام وفاكهة وشراب.
وبدّل القوم الظالمون أنفسهم القول غير القول الذي قيل لهم. ومعنى (بدل) غير اللفظ دون أن يذهب بجميعه، وأبدل : إذا ذهب وجاء بلفظ آخر.
والمراد قول بني إسرائيل :«حبة في شعرة أو حنطة في شعيرة» فكانت النتيجة أن اللّه تعالى صب عليهم عذابا من السماء صبا، بسبب ظلمهم أنفسهم وغيره، وبسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة اللّه تعالى، إلى طاعة أهوائهم وشياطينهم، ولسخريتهم من أوامر اللّه تعالى.
لقد أمر قوم موسى بدخول قرية في الأرض المقدسة، وقتال أهلها من العمالقة وإخراجهم منها، فتمردوا على الأمر الإلهي، وردوا على موسى عليه السلام فابتلوا بالتشرد والضياع أربعين سنة في صحراء التيه.