تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٤٩
عهد اللّه على بني آدم
اقتضى العدل الإلهي والعناية الربانية ببني البشر أن يخلقهم جميعا من غير استثناء على الفطرة السليمة المقرة بأن اللّه هو ربهم وأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ربا واحدا، وإلها خالقا، فإذا شذ الإنسان بعدئذ، فكفر بالله أو أشرك به إلها آخرا، فهو ظلم واضح، وانحراف بيّن، وقد عبر اللّه تعالى عن هذه الفطرة التي خلق عليها الناس قاطبة بإبرام عهد قاطع بين اللّه الخالق والبشر المخلوقين، وذلك في قوله تعالى :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧٢ الى ١٧٤]
وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤)
[الأعراف : ٧/ ١٧٢- ١٧٤].
والمعنى : اذكر أيها الرسول محمد للناس جميعا ما أخذه اللّه تعالى على البشر كافة من ميثاق في بدء الخلق، يتضمن الاعتراف على أنفسهم أن اللّه ربهم ومالكهم وأنه لا إله إلا اللّه، وذلك حين خلق آدم وأخذ من ظهور ذريته ذريتهم في عالم الذرة، وأحياهم، وجعل لهم عقلا وإدراكا كنملة سليمان عليه السلام، وأخذ عليهم العهد أو الميثاق بأنه ربهم وأنه لا إله غيره، فأقروا بذلك والتزموه، وأعلمهم أنه سيبعث الرسل إليهم مذكرة وداعية، وشهد بعضهم على بعض، قائلا لهم قول إرادة وتكوين، لا قول وحي وتبليغ : ألست بربكم؟ فقالوا بلسان الحال، لا بلسان المقال : بلى أنت ربنا المستحق وحدك للعبادة، لا إله غيرك. وإشهاد الناس بعضهم على بعض في ذلك العالم عالم الذر سببه : ألا يعتذروا يوم القيامة إذا أشركوا قائلين :
إنا كنا عن التوحيد غافلين، أي لم ينبهنا إليه أحد، فلا عذر لكم بعد إقامة الأدلة على وحدانية اللّه، ووجود العقل، وتكوين الفطرة.


الصفحة التالية
Icon