تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٧٩
و لتسكن قلوبكم من الاضطراب أو القلق العارض لكم، وليس النصر الحقيقي إلا من عند اللّه، لا من عند غيره أبدا، إن اللّه عزيز أي قوي لا يغالب، حكيم، لا يضع شيئا في غير موضعه.
والأشهر أن الملائكة قاتلت بالفعل يوم بدر، وهو الراجح في السنة النبوية، وهذا لا يقلل من أهمية قتال المؤمنين ببسالة وشجاعة تامة، واستماتة وإيمان متين، خلّد ذكرهم، وجعلهم أمثولة البطولات النادرة، هذه هي النعمة الأولى على المسلمين يوم بدر وهي إمدادهم بالملائكة.
واذكروا نعمتين أخريين هما إلقاء النعاس تخفيفا من عناء التعب وتحقيقا للأمن من مخاوف العدو الذي هالهم كثرته وقلتهم، وذلك في ليلة القتال من الغد، ثم إنزال المطر عليكم من السماء للتطهير من الدنس والرجس وإذهاب وساوس الشيطان ولإرواء العطش، لأن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنين إلى النزول حول ماء بدر، وبقي المؤمنون لا ماء لهم، وحقق اللّه بهاتين النعمتين تسكين القلوب واطمئنان النفوس وحملها على الصبر، وتثبيت الأقدام على أرض الرمال من غير غوص فيها.
واذكروا أيها المؤمنون أيضا حين يوحي اللّه إلى الملائكة : أني مع المؤمنين بالإعانة والنصر، فانصروهم وثبّتوهم وقووا عزائمهم، وأني سألقي في قلوب الكفار الرعب والهلع، فاضربوا رؤوسهم التي فوق الأعناق واقطعوها، وابتروا الأصابع والمفاصل والأطراف : وهي الأيدي والأرجل ذات البنان أي الأصابع. وهذا تعليم لكيفية القتال بضرب المقاتل وغير المقاتل.
ذلك المذكور من النصر والتأييد للنبي والمؤمنين بسبب أن المشركين شاقّوا اللّه ورسوله، أي عادوهما وخالفوهما، حيث صاروا في شق أو جانب والمؤمنون في الجانب الآخر، ومن يعادي اللّه والرسول، ويخالف أوامرهما، فإن له عدا الهزيمة