تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٨
إباحة الطّيبات وتحريم الخبائث
أذن اللّه لعباده المؤمنين وغير المؤمنين أن يتناولوا الحلال الطيب المفيد الذي لا شبهة فيه ولا إثم، ولا يتعلق به حق للغير مهما كان، ونهاهم عن اتّباع الأهواء والشياطين الذين يوسوسون بالشّر، ويزيّنون المنكر، ويوقعون الناس في الإثم والضلال، فالشيطان لا يأمر إلا بالقبيح، فكل ما يأباه الطبع السليم والعقل الراجح وينكره الشّرع هو من أعمال الشيطان وأماراته، فيجب الحذر منه وتجنّب ما يوهمه من الخير، والشيطان يأمر الناس عادة أن يقولوا على اللّه ما لا يعلمون من أمور الشرع والدين، قال اللّه تعالى مبيّنا هذا كما تقدّم :
يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩) [البقرة : ٢/ ١٦٨- ١٦٩].
ثم أكّد اللّه تعالى في الآيات التالية إحلال الطّيبات بلا إسراف ولا تقتير، وأمر عباده بشكر نعمة اللّه، وإخلاص الشكر لله إن كانوا يعبدونه حقّا، فذلك غذاء الروح ووفاء المعروف. قال اللّه سبحانه :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٧٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢)
[البقرة : ٢/ ١٧٢].
ثم أبان القرآن الكريم تحريم المضارّ والخبائث مما لا يفيد الجسم، وإنما يضرّه ويؤذيه، إما في صحته وعافيته، وإما في روحه وعقيدته، فقال اللّه تعالى :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٧٣]
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣)
«١» «٢»

(١) أي ما ذكر عليه اسم غير اسمه تعالى، والإهلال رفع الصوت بهذا.
(٢) ألجأته الضرورة لتناول المحرّم.


الصفحة التالية
Icon