تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٨٢
تفاخر، ونحو ذلك، فنزلت الآية : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ أي إن اللّه هو المؤثر الحقيقي الفعال في تحقيق النتائج. وأما فعل البشر فهو القيام بالأسباب الظاهرة المقدورة لهم، التي كلفهم بها ربهم، كجميع أفعال العباد الاختيارية. بل وما رميت به أيها النبي مشركي قريش حين رميت في بدر، ولكن اللّه رماهم.
نزلت هذه الآية حين رمى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر قبضات من حصى وتراب، رمى بها في وجوه القوم وتلقاءهم ثلاث مرات، وقال المشركون : شاهت الوجوه، فلم يبق عين مشرك إلا دخلها منه شي ء.
وتكررت هذه الفعلة أيضا يوم حنين. رمى اللّه المشركين وقتلهم ليكبتهم، وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا، أي ليعرّف المؤمنين نعمته عليهم من إظهارهم على عدوهم، مع كثرة عدوهم وقلة عددهم، ليعرفوا حقه وفضله، ويشكروا بذلك نعمته، ويصيبهم ببلاء حسن، أي يختبرهم بما حققه لهم من النصر والغنيمة والعزة. إن اللّه سميع لكل قول، ومنه استغاثتكم ودعاؤكم، عليم بوجه الحكمة في جميع أفعاله، لا إله إلا هو.
ذلكم الأمر المتقدم من قتل اللّه الأعداء ورميه إياهم لإعلامهم أن اللّه موهن كيد الكافرين، أي مضعف كيد الكافرين في المستقبل، ومحبط مكرهم وتدبيرهم ومدمر جميع أوضاعهم.
ثم خاطب اللّه الكفار أهل مكة على سبيل التهكم والسخرية قائلا لهم : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ أي إن تستنصروا وتطلبوا نصر الفئة المحقة على الفئة المبطلة، فقد جاءكم ما سألتم، وتم النصر للأعلى والأهدى، وحدث الهلاك والذلة للأدنى والأضل، ثم حذرهم اللّه وأنذرهم بأنه إن تنتهوا عن الكفر والتكذيب بالله والرسول، وعداوة النبي، فهو خير لكم في الدنيا والآخرة وأجدى من الحرب التي