تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٨٧
و تحول بين الإنسان وفكره. والمصير في النهاية أن جميع الناس مجموعون إلى اللّه في الآخرة للحساب.
وبعد هذا التحذير حذر اللّه تعالى من الفتن فقال : وَاتَّقُوا فِتْنَةً أي احذروا الوقوع في الفتنة وهي الاختبار والمحنة التي يعم فيها البلاء المسي ء وغيره، ولا يخص بها أهل المعاصي أو مرتكبي الذنوب، بل يعمهم وغيرهم واللّه شديد العذاب لمن عصاه. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : نزلت هذه الآية في أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال : أمر اللّه المؤمنين ألا يقروا المنكر فيما بينهم، فيعمهم اللّه بالعذاب.
والمراد بها عموم الناس، فالله يريد أن يحذر جميع المؤمنين من فتنة إن أصابت لم تخص الظلمة فقط، بل تصيب الكل من ظالم وبري ء، وهذا وعيد لكل من تأول آية أو حكما قرآنيا، أو خالف هدي اللّه وشرعه.
ثم نبّه اللّه المؤمنين والعرب خاصة قبل الإسلام إلى ما أنعم به عليهم، وعدّد نعمه وإحسانه عليهم، قائلا : واذكروا حالكم حين كنتم قلائل فكثّركم، ومستضعفين خائفين، فقواكم ونصركم، وفقراء فرزقكم من الطيبات، وهذا كان حال المؤمنين قبل الهجرة من مكة إلى المدينة، لقد كان أولئك المؤمنون قلة مستضعفين في مكة، والمشركون أعزة كثرة يذيقون المؤمنين سوء العذاب، وكان المؤمنون خائفين غير مطمئنين، يخافون أن يتخطفهم الناس، أي يأخذهم المشركون بسرعة خاطفة للقتل والسلب، كما كان يتخطف بعضهم بعضا خارج الحرم المكي، كما قال اللّه تعالى :
أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت : ٢٩/ ٦٧].
ثم امتن اللّه عليكم أيها المؤمنون، فجعل لكم مأوى تتحصنون به في المدينة، وأيديكم، أي أعانكم يوم بدر وغيره بنصره المؤزر، وسيؤيدكم بنصره على من سواكم خارج الجزيرة العربية بالغلبة على الروم والفرس، ورزقكم من الطيبات رزقا حسنا