تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٩٧
و لكن اللّه تعالى أخبرهم بأن هذه النفقة ستكون وبالا عليهم في الدنيا والآخرة، وتصف الآية ذلك، ومعناها : إن الذين كفروا بالله ورسوله يقصدون من الإنفاق صدّ الناس عن اتّباع محمد، وهو سبيل اللّه تعالى، وحين ينفقون أموالهم تكون عاقبة هذا الإنفاق في النهاية لحرب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والصدّ عن دينه ندما وحسرة، فكأنها في ذاتها تصير ندما وتنقلب حسرة، أي أنها لا تحقق المقصود، وإنما تؤدي إلى عكسه، وهو الوقوع في الحسرة والندامة، كما قال اللّه تعالى في شأن صاحب الجنة (البستان) التي أحرقها اللّه بسبب كفره : فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً [الكهف : ١٨/ ٤٢] لأنه مال ضائع في سبيل الشيطان، ولا يؤدي إلى النصر، وإنما على العكس مصيره إلى الهزيمة، فهم يغلبون وينكسرون، كما قال اللّه تعالى : كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١) [المجادلة : ٥٨/ ٢١].
هذا عذابهم في الدنيا : ضياع المال والهزيمة : وعذابهم في الآخرة : أنهم يساقون إلى جهنم، إذا أصرّوا على كفرهم وماتوا وهم كفار، لأن منهم من أسلم وحسن إسلامه.
أما المسلمون المؤمنون إذا أنفقوا أموالهم في سبيل اللّه، فيتحقق إما النصر في الدنيا، وإما الثواب في الآخرة، أو الأمران معا وسعادة الدارين.
هذه مقارنة واضحة تبين فائدة الإنفاق في سبيل الخير، وضرر الإنفاق في سبيل الشر والشيطان، واللّه تعالى في قضائه وقدره وعلمه الأزلي كتب النصر للمؤمنين، والهزيمة للكافرين وضياع أموالهم، وإيقاع الحسرة والألم في قلوبهم، ليميز أي يفصل الفريق الخبيث من الفريق الطيب، أي يفرّق بين الفريقين وهما فريق الكافرين، وفريق المؤمنين، أو فريق أهل الشقاء وفريق أهل السعادة، ويجعل الخبيث بعضه متراكما فوق بعض في جهنم، أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.


الصفحة التالية
Icon