تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٧٩٩
قوله سبحانه : إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ والمقصود : قل أيها الرسول للذين كفروا كأبي سفيان وأصحابه القرشيين : إن ينتهوا عما هم فيه من الكفر والمقاومة والعناد ومعاداة الإسلام ونبيه، ويدخلوا في الإسلام ويؤمنوا حق الإيمان، يغفر لهم ما قد سبق من كفرهم وذنوبهم وخطاياهم، كما
جاء في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي اللّه عنه : أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«من أحسن في الإسلام، لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر»
في حديث صحيح آخر : أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«الإسلام يجبّ ما قبله، والتوبة تجب ما كان قبلها».
فإن عاندوا وأصروا على الكفر، خسروا الدنيا والآخرة، لذا حذرهم اللّه وأعلمهم أنهم إن يعودوا إلى حظيرة الكفر والصد عن سبيل اللّه والعناد وقتال أهل الحق والإيمان، ويستمروا على ما هم عليه، طبّقت عليهم سنة اللّه المطردة في الأمم السابقة وهي تدمير وإهلاك المكذبين السابقين الذين كذبوا الأنبياء وتحزبوا ضدهم، كما حدث لقريش يوم بدر وغيره، وظهر وعد اللّه القائل : إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) [غافر : ٤٠/ ٥١].
إذا لم ينفع الترغيب جاء الوعيد الشديد بالدمار لكل من عتا وتكبر، وبغى وتجبر.
إن أولئك الذين بقوا متحصنين في خندق الكفر ولم تنفعهم الموعظة والكلمة الطيبة جديرون بالعقاب وهو القتال، لذا أمر اللّه بقتالهم إذا أصروا على كفرهم، فقال سبحانه : وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ.. أي وقاتلوا أيها المسلمون قتالا عنيفا أعداءكم المشركين المعاندين، حتى لا يبقى شرك أبدا، والفتنة هي الشرك كما قال ابن عباس وغيره، وحتى لا يعبد إلا اللّه وحده، ولا يفتن مؤمن عن دينه، ويخلص التوحيد لله، فتعلن كلمة : لا إله إلا اللّه، وتمتد ظلال الحرية في آفاقها،


الصفحة التالية
Icon