تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٠٣
الآخر، واقنعوا بالأخماس الأربعة الباقية إن صدقتم بالله وبما أنزله على رسوله يوم بدر الذي سمي بيوم الفرقان، أي يوم الفرق بين الحق والباطل، بإعزاز الإسلام وإذلال الشرك، فنصرنا المؤمنين يوم التقى الجمعان، أي فريقا المسلمين والكافرين، لسبع عشرة خلت من رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وهو أول قتال شهده الرسول صلّى اللّه عليه وسلم، وهو يوم الوقعة التي قتل فيها صناديد قريش ببدر، واللّه على ذلك وغيره قادر مقتدر، يقدر على نصركم وأنتم قلّة، ولا يمتنع عليه شي ء أراده، وينجز وعده لرسوله.
والمقصود من هذه الآية التحذير من تجاوز حدود اللّه في أي وقت، وليس المراد أخذ العلم فقط، بل العلم المقترن بالعمل والاعتقاد. والإيمان الحق بالله والرسول والمنزّل عليه وباليوم الآخر من دواعي العلم بأن لله حق التصرف في الأشياء، وله تفويض قسمة الغنائم وغيرها إلى رسوله لأن النصر من عند اللّه، وهو صاحب التشريع، يفعل ما يشاء بمقتضى الحكمة والمصلحة العامة.
فضل اللّه على المسلمين بنصرهم يوم بدر
إن من مقتضيات الأمانة ووحدة تاريخ المسلمين أن تظل الأمة تشعر بارتباطها الوثيق بالماضي ليكون عدة للحاضر والمستقبل، فتعلم مدى أفضال اللّه عز وجل على الفئة القليلة المؤمنة في صدر الإسلام، حيث نصرها ربها على الفئة الكثيرة الباغية الكافرة، ولا حجر على فضل اللّه، فإنه سبحانه يجدد منح هذا الفضل في كل زمان إذا كانت الأمة صامدة مجاهدة، صابرة قوية، عازمة على انتزاع النصر من الأعداء، مخلصة في القول والعمل، وهذه صفحة مشرفة تذكرنا بما تم من نصر يوم معركة بدر الكبرى، في قول اللّه تعالى :


الصفحة التالية
Icon