تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٠٧
خرجت قريش من مكة إلى بدر، خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل اللّه وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا...
وأول هذه القواعد الحربية : الثبات أمام الأعداء، فإذا حاربتم أيها المؤمنون أعداءكم والتقيتم معهم في ميدان القتال، فالواجب عليكم أن تثبتوا في قتالهم، وتصمدوا للقائهم، وإياكم والفرار من الزحف، فالثبات فضيلة وركيزة أساسية، والفرار كبيرة موجبة للعقاب.
ثبت في الصحيحين عن عبد اللّه بن أبي أوفى : أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، حتى إذا مالت الشمس قام فيهم، فقال :«يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف».
والقاعدة الثانية : ذكر اللّه كثيرا في القلب واللسان، والتضرع والدعاء بالنصر والظفر، لأن النصر لا يحصل إلا بمعونة اللّه تعالى، وذكر اللّه في أثناء القتال يحقق معنى العبودية للّه، ويشعر بمعنى الإيمان والتفويض لله والتوكل عليه، ويرفع الروح المعنوية، ويكون عونا على تحقيق النصر، لذا ختمت الآية بقوله تعالى : لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي إن هذا الثبات وذكر اللّه من وسائل الفوز بالأجر والثواب، والنصر على الأعداء، فإنكم بالثبات والذكر تنالون بغيتكم وتحققون آمالكم.
وذكر اللّه هنا ذكر خفي لأن رفع الأصوات في موطن القتال ردي ء مكروه، فأما إن كان من الجميع عند الحملة فحسن يهدئ، ويفت في عضد العدو.
روى أبو القاسم الطبراني عن زيد بن أرقم : أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إن اللّه يحب الصمت عند ثلاث : عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة» وكان الصحابة يكرهون الصوت في هذه المواطن الثلاثة.
والقاعدة الثالثة : طاعة اللّه والرسول في كل ما أمر به أو نهى عنه وهذا يستتبع