تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨١٢
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥٢ الى ٥٤]
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤)
[الأنفال : ٨/ ٥٢- ٥٤].
هذه الآيات تدل دلالة واضحة على عدالة اللّه وقوته وشدة عقابه، فإن الجزاء يكون من جنس العمل، وسنة اللّه ونظامه واحد في الأقوام، فكما عاقب اللّه آل فرعون بسبب كفرهم وذنوبهم، عاقب مشركي قريش الذين كذبوا بآيات اللّه وصدوا الناس عن دين اللّه، فإن عادة اللّه واحدة، فما حل بالعذاب بمشركي قريش بسبب كفرهم يشبه ما حل من عذاب بقوم فرعون والأمم المكذبة قبلهم، فجوزي المشركون بالقتل والسبي، كما جوزي من قبلهم بالإغراق أو الزلزال والخسف أو الصيحة أو الريح الصرصر العاتية، من قوم فرعون وآل عاد وثمود وقوم صالح ولوط والمؤتفكات.
إن هؤلاء الذين أهلكهم اللّه كفروا بآيات اللّه، وكذبوا برسل اللّه، فأخذهم اللّه بذنوبهم أخذ عزيز مقتدر، لأن اللّه قوي لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، قوي عذابه، شديد عقابه لمن يستحق ذلك بظلمه.
روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إن اللّه تعالى ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته».
ثم أخبر اللّه تعالى عن تمام عدله وقسطه في حكمه بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه، فذكر سبحانه : أن ذلك العذاب الناجم عن سوء

(١) أي كعادة، والمعنى كسنن آل فرعون أو كعادة اللّه فيهم.


الصفحة التالية
Icon