تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨١٩
توحيد الأمة وتحريضها على القتال
إن من أصعب الأمور الجسام توحيد الأمة وتوجيهها نحو هدف واحد، وكانت هذه المشكلة من أهم القضايا التي واجهها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في بدء الدعوة الإسلامية، واستطاع بإلهام من اللّه وحكمة وتوفيق أن يتغلب على هذه المعضلة، وأن يجعل من القبائل العربية أمة موحدة الصف، قوية البنيان، تتجه نحو هدف واحد وعدو واحد، وصف اللّه تعالى طريق الوصول إلى وحدة الأمة في قوله تعالى :
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦٣ الى ٦٦]
وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)
«١» [الأنفال : ٨/ ٦٣- ٦٦].
آية التأليف بين قلوب المؤمنين إشارة إلى العداوة التي كانت بين الأوس والخزرج في حروب بعاث، فألف اللّه تعالى قلوبهم على الإسلام، وردهم متحابين في اللّه، وهذا تذكير بنعمة اللّه على نبيه ولطفه به، فكما لطف به ربه أولا، فكذلك يفعل آخرا. لقد أيد اللّه رسوله بجند الإيمان من المهاجرين والأنصار، الذين دافعوا عنه دفاع الأبطال الشرفاء، واللّه بفضله هو الذي ألف بين قلوبهم، وجمعهم على كلمة الحق والشهادة، وغرس في قلوبهم التحابّ والتوادد بعد العداوة والبغضاء في الماضي الجاهلي، وصار كل تآلف في اللّه تابعا لذلك التآلف الكائن في صدر الإسلام،
روى الإمام أحمد عن سهل بن سعد عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«المؤمن مألف، لا خير فيمن

(١) حثهم حثا بالغا.


الصفحة التالية
Icon