تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٤٨
اللّه، معتمدين على أن النصر من عند اللّه. والمواطن الكثيرة : غزوات الرسول صلّى اللّه عليه وسلم، وهي ثمانون موطنا، أو أقل من ثمانين في رأي بعضهم. وكان النصر فيها كلها من عند اللّه تعالى، إما نصرا كاملا وهو الأكثر، وإما نصرا جزئيا، للتربية والتعليم، كما حدث في معركة أحد، حينما تحقق النصر في بداية المعركة، والهزيمة في نهايتها، حينما خالف جماعة من الصحابة أوامر النبي صلّى اللّه عليه وسلم، وتركوا جبل الرماة، وكما حدث في حنين حينما اعتمدوا على الكثرة العددية، وغاب عنهم أن اللّه هو الناصر، لا كثرة الجنود، فانهزموا. وحنين : واد بين مكة والطائف، قريب من ذي المجاز، على ثلاثة أميال من الطائف. ونصركم اللّه أيضا في يوم حنين حين أعجبتكم كثرتكم فيه، إذ بلغتم اثني عشر ألفا، وكان الكافرون أربعة آلاف فقط، ففي بدء المعركة وقعت الهزيمة عليكم، لاعتمادكم على أنفسكم، واغتراركم بقوتكم، وترككم اللجوء إلى ربكم واهب النصر، فلم تغن عنكم كثرتكم شيئا من قضاء اللّه، وضاقت عليكم الأرض بما اتسعت من الخوف، ثم وليتم مدبرين منهزمين، ثم نصركم اللّه في نهاية الأمر حين اتكلتم على ربكم وثبتم في المعركة. حدث اقتتال شديد يوم حنين، فانهزم المسلمون في بداية الأمر أمام ثقيف وهوازن، حينما كمنت هوازن في وادي حنين، ثم بادروا المسلمين بالقتال، وحملوا حملة رجل واحد، كما أمرهم سيدهم، فولى المسلمون مدبرين.
وثبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وهو راكب يومئذ على بغلة شهباء، ثم نزل عن بغلته حينما رأى شدة الحال، واستنصر اللّه عز وجل قائلا :«يا رب ائتني بما وعدتني» وأخذ قبضة من تراب وحصى، فرمى بها في وجوه الكفار، وقال :«شاهت الوجوه» ونزلت الملائكة لنصره، ونادى :«يا للأنصار» وأمر الرسول العباس أن ينادي : أين أصحاب الشجرة؟ أين أصحاب سورة البقرة؟ فأجابوه : لبيك لبيك، ورجعوا إليه عنقا واحدا، أي جماعة واحدة، وثبت معه من أصحابه قريب من مائة، وقال :«الآن حمي الوطيس»
أي استعرت الحرب، وقاتلوا صفا واحدا، فانهزم المشركون.


الصفحة التالية
Icon