تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٥٣
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سلّام بن مشكم، ونعمان بن أبي أوفى، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا : كيف نتّبعك وقد تركت قبلتنا؟ وأنت لا تزعم أن عزيرا : ابن اللّه، فأنزل اللّه في ذلك : وَقالَتِ الْيَهُودُ الآية.
وقال النقّاش : لم يبق يهودي يقولها بل انقرضوا.
كان بعض اليهود يقول : عزير : ابن اللّه، لأنه يعدّ ناشر اليهودية، بعد أن نسيت، فقدسه اليهود ووصفوه بأنه : ابن اللّه. وقالت النصارى : المسيح : ابن اللّه، واتفقوا على أن الموحد ليس نصرانيا، وليس لقولهم أي دليل ولا برهان غير ما قرره أحبارهم، يشبهون بهذا الاعتقاد قول الذين كفروا من قبلهم من الأمم، ضلّوا كما ضل هؤلاء، وهم الوثنيون البراهمة والبوذيون في الهند والصين واليابان، وقدماء الفرس والمصريين واليونان والرومان، كما أن مشركي العرب كانوا يقولون :
الملائكة بنات اللّه.
لعنهم اللّه، كيف يصرفون عن الحق، وهو توحيد اللّه وتنزيهه إلى غيره، وهو الشرك الباطل، فما المسيح وعزير إلا مخلوقان عبدان لله، ولا يعقل أن يكون المخلوق خالقا، وهو كسائر المخلوقات يأكل ويشرب ويتعب ويألم، وقدراته محدودة، وكيف يصرفون عن الحق إلى غيره مع قيام الدليل؟
و وجه مضاهاة من كفروا قبلهم أنهم اتخذوا رؤساء الدين فيهم أربابا من دون اللّه، يقومون بحق التشريع، فيحلّون الحرام، ويحرمون الحلال، ويطيعونهم في ذلك، تاركين حكم اللّه تعالى. واتباعهم في التحليل والتحريم : عبادة لهم وتعظيم.
والحال أنهم ما أمروا إلا أن يعبدوا إلها واحدا على لسان موسى وعيسى، وهو اللّه الذي شرع لهم أحكام الدين، وهو ربهم ورب كل شي ء فهو الذي إذا حرّم الشي ء فهو الحرام، وما حلّله فهو الحلال، وما شرعه اتّبع، وما حكم به نفذ. إنه اللّه تعالى الإله