تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٥٧
و هناك صفة عامة عند هؤلاء القادة وعند غيرهم من المسلمين : وهي البخل الشديد ومنع أداء حقوق اللّه في أموالهم، فيكنزون في بيوتهم الذهب والفضة، أي يجمعون المال ويدخرونه، ولا يؤدون منه الحقوق الواجبة شرعا كالزكاة، ولا ينفقون منه في سبيل اللّه، فيستحقون العذاب الشديد المؤلم في نار جهنم، وعبر عن الوعيد بهذا العذاب بلفظ البشارة على سبيل التهكم والتهديد.
ومن المقرر شرعا : أن الكنز : هو المال الذي لا تؤدى زكاته، وإن كان ظاهرا غير مخفي، وأما المال المدفون إذا أخرجت زكاته فليس بكنز، لما
أخرجه ابن عدي والخطيب عن جابر رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«أيّ مال أدّيت زكاته، فليس بكنز».
ويوضح ذلك الآية الكريمة : خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التوبة :
٩/ ١٠٣] فإن الذم في منع الزكاة فقط، لا في مجرد حبس المال وادخاره. ثم هدد اللّه تعالى الكانزين وأخبرهم بنوع العذاب الذي يتعرضون له في الآخرة، وهو أنه يحمى على ما جمعوه من الأموال المكنوزة غير المزكاة في النار، أي توضع فيها ويوقد عليها حتى تحمى، ثم يحرق بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، أي جميع أجسادهم ويقال لهم من قبل الملائكة : هذا جزاء ما كنزتم، فذوقوا وبال ما كنزتم لأنفسكم، أي إن ما توهمتم فيه نفعا أصبح ضررا محضا، ووبالا شديدا عليكم.
روى مسلم في صحيحة عن أبي هريرة رضي اللّه عنه : أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار».
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أيضا قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«من آتاه


الصفحة التالية
Icon