تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٦٠
دين إبراهيم الخليل وإسماعيل الذبيح، فلا يجوز نقل تحريم المحرم إلى صفر، خلافا لما كان أهل الجاهلية يفعلون، من تقديم بعض أسماء الشهور وتأخير البعض. فلا تظلموا أيها الناس أنفسكم في تلك الأشهر الأربعة، باستحلال حرامها، فإن اللّه عظّمها، والمراد بذلك النهي عن جميع المعاصي بسبب ما لهذه الأشهر من تعظيم الثواب والعقاب فيها، كما قال تعالى : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة : ٢/ ١٩٧]. والمعاصي وإن كانت حراما في غير الأشهر الحرم أيضا، إلا أنه أكد اللّه تعالى فيها المنع زيادة في شرفها، ثم أباح اللّه تعالى قتال المشركين المعتدين في جميع الأشهر، حتى الأشهر الحرم، وعلى المؤمنين قتالهم مجتمعين موحّدين، كما يقاتلون المسلمين على هذا النحو، واعلموا أن اللّه مع المتقين.. ومعنى الآية : الحض على قتال المشركين صفا واحدا وعلى قلب رجل واحد.
والنسي ء وهو تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر لا حرمة له : زيادة في الكفر أي جار مع كفرهم بالله، وخلاف منهم للحق، وزيادة في أصل كفرهم القائم على الشرك وعبادة الأصنام، وتغيير لملة إبراهيم بسوء التأويل، يوقع أهل النسي ء الذين كفروا في ضلال، زيادة على ضلالهم القديم، يحلون المحرم عاما، ويحرمونه عاما آخر، ليوافقوا في مجرد العدد الأربعة الأشهر الحرم، حسّن الشيطان لهم أعمالهم السيئة، فظنوا ما كان سيئا حسنا، وتوهموا شبهتهم الباطلة أنها صواب، واللّه لا يوفق ولا يرشد القوم الضالين المنحرفين الذين يختارون السيئات، إلى الحكمة والخير والصواب وفهم حكمة الشرع.
وتم تصحيح وضع الأشهر بحسب الواقع في عصر النبي صلّى اللّه عليه وسلم،
فقال هذا النبي فيما رواه البخاري وأحمد وغيرهما :«إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السماوات الأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان».