تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٦٧
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤٦ الى ٤٨]
وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥»»
[التوبة : ٩/ ٤٦- ٤٨].
هذه الآيات دليل واضح على أن تخلف المنافقين عن المشاركة في غزوة تبوك كان بغير عذر واضح ولا صحيح، وهذا الدليل المنطقي والواقعي : هو تركهم الاستعداد للمشاركة في هذه المعركة الخطيرة، ومع هذا فإن خروجهم مع الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان مصلحة، وإنما يؤدي إلى مفاسد ثلاث : هي الإفساد والشر، وتفريق كلمة المؤمنين بالنميمة، والتسبب في سماع بعض ضعفاء الإيمان كلامهم وقبول قولهم.
إن المنافقين المعاصرين للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم لو قصدوا الخروج معك إلى القتال، لاستعدوا وتأهبوا له بإعداد السلاح والزاد والراحلة ونحوها، وقد كانوا مستطيعين ذلك، ولكن كره اللّه انبعاثهم، أي أبغض خروجهم مع المؤمنين، لما فيه من أضرار، فثبّطهم، أي أخرهم بما أحدث في قلوبهم من المخاوف، وفي نفوسهم من الكسل والاسترخاء، وقيل لهم من الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم : اقعدوا مع القاعدين من النساء والأطفال والمرضى والعجزة الذين شأنهم القعود في البيوت، كما قال تعالى : رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ [التوبة : ٩/ ٨٧] أي القاعدين المتخلفين خوفا وجبنا ثم ثبّت اللّه المؤمنين وبيّن أن عدم خروج المنافقين معهم لتبوك مصلحة للجيش، فلو خرج هؤلاء المنافقون ما زادوا المؤمنين شيئا من القوة والمنعة، بل زادوهم اضطرابا في الرأي
(٢) حبسهم وعوقهم عن الخروج.
(٣) شرا وفسادا.
(٤) أسرعوا بالإفساد بينكم بالنميمة.
(٥) يطلبون إيقاع الفتنة.
(٦) دبروا لك الحيل والمكائد.