تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٧٤
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥٦ الى ٥٩]
وَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (٥٩)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» [التوبة : ٩/ ٥٦- ٥٩].
روى البخاري والنسائي في بيان سبب نزول آية اللمز في الصدقات عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال :«بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقسم قسما، إذا جاءه ذو الخويصرة التميمي- وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج- فقال : اعدل يا رسول اللّه، فقال : ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ فقال عمر بن الخطاب : ائذن لي أن أضرب عنقه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرّميّة»،
فنزلت فيهم الآية : وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ.. الآية.
هذه صور من أخلاق المنافقين تبين حقيقتهم، وتنبئ عن قلقهم ومخاوفهم المسيطرة على نفوسهم الضعيفة وتذبذبهم، فهم يحلفون بالله الأيمان الكاذبة بأنهم لمنكم، أي من جملة المسلمين، وهم في الواقع ليسوا منكم، فهم على غير دينكم، بل هم أهل شك وريبة ونفاق، ولكنهم قوم جبناء يخافونكم أيها المؤمنون فيحلفون، مظهرين الإيمان، مبطنين الكفر، ومسرّين النفاق، كما جاء في آية أخرى : وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) [البقرة :
٢/ ١٤].
(٢) حصنا.
(٣) مغاور في الجبال.
(٤) موضعا يدخلونه أو سربا يلجون فيه
(٥) يسرعون في دخوله سرعة لا تقاوم.
(٦) يعيبك. [.....]