تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٨٢
عليهم على سبيل التهديد والوعيد بقوله : قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ أي استهزءوا بآيات اللّه كما يحلو لكم وكما تريدون فإن اللّه مظهر ما كنتم تحذرونه من إظهار نفاقكم. قال الطبري : كان المنافقون إذا عابوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذكروا شيئا من أمره قالوا :«لعل اللّه لا يفشي سرنا» فنزلت الآية في ذلك. وهذا مثل قوله تعالى : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) [محمد :
٤٧/ ٢٩- ٣٠].
ثم أقسم اللّه تعالى بأنه إن سألتهم أيها الرسول عن أقوالهم هذه وهزئهم بالقرآن أو بالنبي محمد، لاعتذروا عنها بأنهم لم يكونوا جادّين فيها، بل هازلين لاعبين خائضين في اللغو بقصد التسلي واللهو، فوبخهم اللّه وأنكر عليهم بقوله : أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ أي إن المجال ليس مجال استهزاء، فإن الاستهزاء بالله وآياته ورسول كفر محض وشر مستطير.
فردّ اللّه عليهم : قل لهم يا محمد ليس قولكم عذرا مقبولا، وقل لهم على جهة التوبيخ، لا تعتذروا أبدا بهذا وغيره، ولا تفعلوا ما لا ينفع، للتخلص من هذا الجرم العظيم، فإنكم قد كفرتم وظهر كفركم، كما أظهرتم إيمانكم، وتبين أمركم للناس قاطبة.
فإن نعف عن بعضكم أو طائفة منكم لتوبتهم الخالصة، وهو رجل واحد اسمه مخشّ بن حميّر، نعذب طائفة، أي جماعة أخرى لبقائهم على النفاق، وارتكابهم الآثام، وإجرامهم في حق أنفسهم وغيرهم، فتعذيبكم بسبب إجرامكم.
إن هذه الآيات الكريمة تدل دلالة واضحة على أن الهزل في الدين وأحكامه،