تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٨٨٥
و فضله وتوفيقه في الدنيا، ومن الثواب في الآخرة، إن المنافقين هم الفاسقون، أي الخارجون عن طريق الحق والاستقامة، الوالغون الداخلون في طريق الضلالة، المتمردون في الكفر، المنسلخون عن كل خير.
ثم أكد اللّه تعالى وعيده السابق للمنافقين بمجازاتهم وضمهم إلى الكفار، فأوعدهم نار جهنم يدخلونها، ماكثين فيها أبدا، وخالدين مع الكفار الأصليين، هي حسبهم، أي كفايتهم في العذاب، ولعنهم اللّه، أي طردهم وأبعدهم من رحمته، ولهم عذاب دائم مستمر غير عذاب جهنم والخلود فيها.
وأوضح اللّه تعالى بعدئذ وجود الشبه بين المنافقين والكفار السابقين، فهم مثلهم مغرورون بالدنيا، لكنّ السابقين كانوا أشد من المنافقين قوة، وأكثر أموالا وأولادا، وتمتع الفريقان بملاذ الدنيا، وخاضوا في مشاغلها ولذائذها وحظوظها الزائلة، وشغلوا عن التمتع بكلام اللّه وهدي أنبيائه، ولم ينظروا في عواقب الأمور، ولم يعملوا على طلب الفلاح في الآخرة، والفرق بين الفريقين أن دواعي الخير توافرت لدى المنافقين، ولكن كانت دواعي الشر عند الكفار السابقين، فكان المنافقون أسوأ حالا من الكفرة السابقين، وأولئك الكفار حبطت وبطلت أعمالهم في الدنيا والآخرة. وكانوا هم الخاسرين، فيكون المنافقون مثلهم.
ثم وعظ اللّه المنافقين المكذبين الرسل وأنذرهم بقوله : أَلَمْ يَأْتِهِمْ.. أي ألم تخبروا خبر من كان قبلكم من الأمم المكذبة للرسل وهم قوم نوح الذين أغرقوا بالطوفان وعاد قوم هود الذين أهلكوا بالريح العقيم، وثمود قوم صالح الذين أخذتهم الصيحة وقوم إبراهيم الذين سلبهم اللّه النعمة وقتل ملكهم النمرود بالبعوضة، والمؤتفكات أصحاب قرى قوم لوط في مدائن الذين أهلكهم اللّه بالخسف والزلزلة،