تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ١، ص : ٩٤
ما ينسجم أو يتّفق مع العقول السليمة، والعادات المألوفة المستحسنة الموافقة للغرض العقلاني والتقلب المفيد في شؤون الحياة.
لقد سأل العرب المسلمون عن أشكال الهلال وتبدّلاته في دورته الشهرية أو عن العلّة في أن القمر يبدو دقيقا كالخيط في مطلع الشهر، ثم لا يزال يكبر حتى يصير بدرا في وسط الشهر، ثم يصغر ويتضاءل حتى ينمحي، وكان الغرض من السؤال بيان السبب أو فائدة الشهور القمرية، و
كان السائل معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة، وهما رجلان من الأنصار، قالا : يا رسول اللّه، ما بال الهلال يبدو، فيطلع دقيقا مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدقّ، حتى يكون كما كان، لا يكون على حالة واحدة، فنزلت الآية : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ
[البقرة : ٢/ ١٨٩] وقال ابن عباس : نزلت على سؤال قوم من المسلمين النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن الهلال، وما فائدة محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس؟
لقد أجاب اللّه تعالى عن هذا السؤال ببيان فائدة القمر وأسباب أطواره التي يمر بها، وهي ضبط الزمان وحساب الأيام لمعرفة أوقات حلول الديون وآجال العقود، وتواريخ استحقاق الأجور والأكرية، وزمن انقضاء العدد للنساء وما أشبه ذلك من بيان مصالح العباد، ولمعرفة مواقيت الحج أيضا يعرف بها وقته وأشهره. والتوقيت بالسّنة والشهور القمرية سهل في الحساب ومناسب للعرب، يؤقتون بدورات القمر أعمالهم وتجارتهم ومزارعهم وعبادتهم من صوم وحج وعدّة وغيرها.
وتضمنت الآية أيضا الكلام عن شأن العادة المستحسنة في دخول البيوت والخروج منها، فقال اللّه تعالى :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٩]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩)
[البقرة : ٢/ ١٨٩].


الصفحة التالية
Icon