تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٠٣٧
عماذا أفعل إن كنت على يقين وحجة ظاهرة فيما جئتكم به من ربّي، وآتاني رحمة من عنده وهي النّبوة والوحي، فخفيت عليكم، فلم تهتدوا بها، ولا عرفتم قدرها، أنكرهكم على قبولها، وأنتم لها كارهون، معرضون عنها؟! ويا قوم، لا أطلب منكم مالا على نصحي لكم، أي أجرا آخذه منكم، وإنما أجري على الله عزّ وجلّ. وليس من شأني طرد المؤمنين برسالتي، وتنحيتهم من مجلسي. وهذا إعلان المساواة في الكرامة بين الناس من غير امتياز للأغنياء. إن هؤلاء الأتباع سيلقون ربّهم، ويحاسبهم على أعمالهم، كما يحاسبكم، ويعاقب من طردهم، وأراكم قوما جهلة في مطالبتكم بطردهم من مجلسي، فإن المفاضلة بين الناس إنما هي بالعمل الطيب الصالح، لا بالثروة والجاه كما تزعمون.
ويا قوم من ينصرني من عذاب الله إن طردتهم، فذلك ظلم عظيم، أفلا تتعظون وتتفكرون فيما تقولون؟! وتوابع النّبوة وتملك الثروة غير متوافرين لدي، فلا أقول لكم بموجب النّبوة : إني أملك خزائن رزق الله، وأتصرّف فيها، ولا أعلم من الغيب إلا ما أطلعني الله عليه، ولست أحد الملائكة، ولا أستطيع القول لهؤلاء الذين تحتقرونهم : لن ينالهم خير، وليس لهم ثواب على أعمالهم، الله أعلم بما في صدورهم وبواطنهم من القصد الحسن والنّية الطيبة، فإن تطابق باطنهم مع ظاهرهم، كان لهم الحسنى، وإن حكمت على سرائرهم بغير دليل ظاهر، كنت ظالما قائلا ما لا أعلم به. والخلاصة :
إن نوحا قصر مهمته على تبليغ الوحي بالنّبوة، وأخبرهم عن تواضعه أمام الله عزّ وجلّ.


الصفحة التالية
Icon