تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٠٥٤
هناك تشابه في النّظم بين قصة هود وقصة صالح عليهما السّلام، إلا أن صالحا لما أمر قومه بالتوحيد في مساق إيراد القصة هنا ذكر دليلين على وجود الله ووحدانيته :
هما الإنشاء من الأرض، والاستعمار فيها، أي جعلهم عمارا لها. ومعنى الآيات :
و أرسلنا إلى قبيلة ثمود الذين كانوا يسكنون الحجر بين تبوك والمدينة المنورة رجلا منهم، أخاهم في النّسب والقبيلة، وهو صالح عليه السّلام، فأمرهم بعبادة الله وحده، فلا إله غيره، وأقام لهم دليلين على توحيد الإله :
الدليل الأول- قوله : هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي ابتدأ خلقكم منها، إذ خلق منها أباكم آدم عليه السّلام، فهو أبو البشر، ومادة التراب هي المادة الأولى التي خلق منها آدم، ثم خلقكم أنتم من سلالة من طين بوسائط النطفة والعلقة والمضغة، وأصل النطفة من الدم، والدم من الغذاء، والغذاء إما من نبات الأرض أو من اللحم الذي يرجع إلى النبات.
والدليل الثاني- قوله : وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها أي جعلكم عمّارا تعمرونها وتستغلونها بالزراعة والصناعة والبناء والتّعدين، فتكون الأرض قابلة للعمارة النافعة للإنسان، وكون الإنسان قادرا عليها دليل على وجود الصانع الحكيم الذي قدّر فهدى، ومنح الإنسان القدرة على التّصرف، والعقل على تنظيم الإدارة والاستثمار.
وإذا كان الله هو المستحق للعبادة وحده، فاستغفروه لسالف ذنوبكم من الشّرك والمعصية، ثم توبوا إليه بالإقلاع عن الذنب في الماضي، والعزم على عدم العودة إليه، والنّدم على ما حدث.
إن ربّي قريب من خلقه بالرحمة والعلم والسمع، ومجيب دعوة الدّاعي المحتاج المخلص، بفضله ورحمته. كما جاء في آية أخرى : وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦) [البقرة : ٢/ ١٨٦].


الصفحة التالية
Icon