تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٠٥٧
لبنها، كما في آية أخرى : إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) [القمر : ٥٤/ ٢٧- ٢٨].
فاتركوها تأكل ما شاءت في أرض الله من المراعي، دون أن تتحملوا عب ء مؤنتها، وإياكم أن تمسّوها بسوء من أي نوع كان، فيقع بكم عذاب عاجل، لا يتأخر عن إصابتكم، فقالوا : عياذا بالله أن نفعل ذلك.
فلم يمعوا نصحه، وكذّبوه وعقروا النّاقة، عقرها بتواطؤ معهم أشقاهم وهو قدار بن سالف، كما قال الله تعالى : فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) [القمر : ٥٤/ ٢٩].
فقال لهم صالح : تمتعوا بالعيش في بلدكم (دياركم) مدة ثلاثة أيام، أي هذا ميعاد ثلاثة أيام للعذاب، ذلك وعد صادق مؤكد غير مكذوب فيه.
ثم وقع ما أوعدهم به، فلما حان وقت أمر الله بالعذاب والهلاك، ونزلت الصاعقة، نجى الله تعالى صالحا والمؤمنين معه، برحمة سابغة منه، نجاهم من عذاب شديد، ومن ذلّ ومهانة حدثت يومئذ، أي يوم وقوع الهلاك : يوم التعذيب.
والخزي : الذّلّ العظيم البالغ حدّ الفضيحة، إن ربّك هو القوي القادر الغالب على كل شي ء، العزيز، أي الذي لا يعجزه شي ء في الأرض ولا في السماء.
وأصبح أمرهم أنه أخذتهم صيحة العذاب، وهي الصاعقة ذات الصوت الشديد المهلك، التي تزلزل القلوب، وتصعق عند سماعها النفوس، فصعقوا بها جميعا، وأصبحوا جثثا هامدة ملقاة على الأرض.
وكأنهم لسرعة هلاكهم لم يوجدوا في الدنيا، ولم يقيموا في ديارهم، بسبب كفرهم وجحودهم بآيات ربّهم، ألا إنهم كفروا بربّهم، فاستحقّوا عقابه الشديد، ألا بعدا لهم عن رحمة الله، وسحقا لثمود، وهلاكا لهم ولأمثالهم. وقوله سبحانه : كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا من غني في المكان : إذا أقام فيه في خفض عيش، وهي المغاني.