تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٠٧٩
و المعنى : فالزم وثابر يا محمد ومن آمن معك على طريق الاستقامة في الاعتقاد والأعمال، وتطبيق أوامر القرآن في العبادات والمعاملات، وهي درجة تتطلب جهاد النفس، والترفع عن الأهواء والشهوات. ولا يعني أمر الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بالاستقامة أنه لم يكن مستقيما، وإنما كان على العكس في غاية الاستقامة، وإنما المقصود كما ذكرت في هذا الموضوع : هو الدوام والاستمرار على ما هو عليه، وذلك طريق النصر على الأعداء. وفي هذا دليل على وجوب اتّباع النصوص الشرعية من غير تصرّف ولا انحراف، ولا تقليد وعمل برأي فاسد غير صحيح، ومن حاد عن ذلك زاغ وأزاغ.
والتزام جادة الاستقامة ليس بالأمر الهيّن، وإنما يتطلب جهادا متواصلا.
روى الطبراني في الكبير في حديث صحيح عن عقبة بن عامر وأبي جحيفة : أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«شيّبتني هود وأخواتها»
فقال له بعض العلماء : فما الذي شيّبك من هود؟ قال له : قوله تعالى : فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ.
وبعد الأمر بالاستقامة، نهى الله تعالى عن ضدّها وهو الطغيان، وهو البغي وتجاوز حدود الله في قوله سبحانه : وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي إن الطغيان مزلقة إلى الهلاك، والله تعالى بصير بأعمال العباد، لا يخفى عليه شي ء، فيجازي عليه. وهذا تحذير واضح من الانحراف والمخالفة.
ثم نبّه الله تعالى إلى خطر الميل مع الظالمين، فقال : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أي ولا تميلوا مع الظالمين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم، أو استعانة بهم، أو اعتماد عليهم، فتصيبكم النار بركونكم إليهم، فذلك ظلم، وليس لكم من غير الله أنصار أبدا ينفعونكم، ويمنعون العذاب عنكم، ثم لا ينصركم الله في حال الظلم، لأن الله سبحانه لا يحب الظلم لأحد، ولا ينصر الظالمين، كما قال تعالى : وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ [البقرة : ٢/ ٢٧٠]. وقال أيضا : وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [الحج : ٢٢/ ٧١، فاطر : ٣٥/ ٣٧].