تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٠٩٢
الواقع، وهو أربعون سنة أو أكثر، قال يعقوب لابنه يوسف حين قصّ عليه ما رأى : لا تخبر إخوتك بما رأيت، حتى لا يحسدوك، ويحتالوا لك حيلة توقعك في مكروه، فإن الشيطان عدوّ واضح العداوة للإنسان. وقد أدرك يعقوب من هذه الرؤيا أنه سيكون ليوسف شأن عظيم، ويسود قومه حتى أباه وأمه وإخوته، فحذر يوسف من التحدث بهذه الرؤيا.
روى الإمام أحمد وغيره عن معاوية القشيري أنه قال : قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم :«الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبّر، فإذا عبّرت وقعت».
وأضاف يعقوب مبشرا ابنه يوسف ببشارة عظيمة، وهي النّبوة وتعبير الرؤيا، فقال له : وكما اختارك ربّك، وأراك هذه الكواكب، مع الشمس والقمر ساجدة لك، يختارك لنفسه ويصطفيك لنبوّته على آلك وغيرهم، ويعلّمك تعبير الرؤيا.
والرؤيا : وإن كان مصدرا في الأصل، لكن كثر إطلاقه على المتخيّل في النوم، فجرى مجرى الأسماء. وتعبير الرؤيا : الإخبار بما تؤول إليه في الوجود، وتعليم الله يوسف التأويل : إلهامه الصواب فيها، أو صدق الفراسة.
والله سبحانه يتم نعمته عليك يا يوسف، بإرسالك رسولا، وجعلك نبيّا وإيحائه إليك، ويتم هذه النعمة أيضا على آل يعقوب وأسرته، وهم أبوك وإخوتك وذريتك، فآل الإنسان : أهله، وهو خاص بمن لهم مجد وشرف، وإتمام هذه النعمة على آل يعقوب، كإتمامها من قبل هذا الوقت على جدّك إسحاق وجدّ أبيك إبراهيم، وقدّم إبراهيم في البيان الإلهي على إسحاق لأنه الأشرف وأبو الأنبياء، إن ربّك عليم بخلقه وبمن يستحق الاجتباء والاصطفاء، فهو أعلم حيث يجعل رسالته، إنّ ربّك حكيم في صنعه وتدبيره، يفعل الأشياء على ما ينبغي ويتفق مع المناسبات والأوضاع الصحيحة.