تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١١١٦
حرصا على انتشار العدل من يوسف عليه السّلام، وإنقاذا لأوضاع البلاد وتحقيق مصالح العباد. والخزائن : لفظ عام لجميع ما تختزنه المملكة من طعام ومال وغيره.
فأجابه الملك إلى طلبه، وجعله وزير المالية والخزانة، وأطلق له سلطة التصرف في شؤون الحكم، لرجاحة عقله وخبرته وحسن تصرّفه.
وتنفيذا لأمر الله وتقديره ومراده، وبيانا لجميل صنع الله بعباده وبنبيّه يوسف، ومثل هذا الإنعام الذي أنعم الله به على يوسف في تقريبه إلى قلب الملك، وإنجائه من السجن، أقدره الله على ما يريد، وجعل له مكانة ومنزلة في أرض مصر، وانتقل من حال العبودية إلى الملك والسلطان، والنفوذ والتفوق، يتبوأ في بلاد مصر المكانة العالية، والله سبحانه يصيب برحمته وإحسانه ونعمه من يشاء من عباده، ولا يضيّع في الدنيا والآخرة ثواب الذين يحسنون أعمالهم.
ولكن ثواب الآخرة للمؤمنين الأتقياء، وهو الظفر بجنان الخلد، خير وأعظم وأكثر من خير الدنيا وما فيها من مظاهر العزّ والسّلطان، والمال والزينة والرفعة.
وهذا يدلّ على أن ما ادّخره الله لنبيّه يوسف عليه السّلام في الآخرة أعظم مما أنعم عليه من التّصرف والنفوذ في الدنيا. ومن جمع الله له السعادتين في الدنيا والآخرة، كان فضل الله عليه أكثر، وعطاؤه أتم، للقيام بالطاعة، وترك المعصية.
ويدلّ هذا أيضا على أن إحسان الإنسان لعمله، والتزامه الطاعة لا يضيع عند الله، ولكن حال الآخرة أحمد، وأحرى أن يتخذ غرضا ومقصدا، وحال يوسف في الآخرة خير من حاله العظيمة في الدنيا.
وكل ذلك مرهون بالتّقيّد بالإيمان الصحيح، والتقوى والاستقامة، لأن الإيمان أساس لقبول العمل الصالح. والتقوى برهان الصدق، وثمرة الإيمان. والاستقامة دليل الرشد والعقل والحكمة. ومن كان ذا إيمان واعتقاد سليم، واتقى الله ربّه