تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١١٢٢
يعقوب : الله على ما نقول جميعا وكيل، أي شهيد رقيب، حفيظ مطّلع، وأفوض أمري إليه.
ويلاحظ أن يعقوب عليه السلام قد توثق في هذه القصة، وأشهد الله تعالى، ووصّى بنيه، وأخبر بعد ذلك بتوكّله على الله، ولكنه توكّل مقترن بالأسباب واتّخاذ الاحتياط والقيام بالواجب والسعي الداخل في حدود القدرة البشرية، وتلك هي غاية التوكّل الصحيحة، ومردّ الأمر في النهاية بعد السّعي إلى الله فاعل الأشياء ومحقّق النتائج بحكمة وإرادة وعدل.
وصيّة يعقوب لأولاده عند الدخول على حاكم مصر
تظلّ وصايا الأنبياء وسيرتهم نبراسا للقدوة الحسنة والسيرة العملية في حياة الإنسان، لأنهم لا يفعلون شيئا إلا بوحي أو إلهام من الله تعالى، ولا يكون توجيههم وتبليغهم دعوة الله وشرعه إلا لخير الإنسان وإسعاده، وتحقيق أكبر نفع أو مصلحة له، ولو على المدى البعيد، فلا يكون النفع آنيا، كما أن في هذا التوجيه النّبوي حماية للإنسان من ألوان المكاره والسوء، وتجنّب الوقوع في المهاوي والعثرات والمزالق، وهذا لون مرغوب من الوصايا، وهو وصية يعقوب لأولاده، وهي الدخول من أبواب متفرقة، ليروا مدى العناية والاستقبال لكل واحد منهم من حاكم مصر، أو لئلا يحسدهم الحسّاد، وترمقهم الأعين معجبين بالعدد الكثير من الإخوة والرجال. قال الله تعالى مخبرا عن هذه الوصية :
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٧ الى ٦٨]
وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨)


الصفحة التالية
Icon