تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١١٢٦
ثم أذّن مؤذّن، أي نادى مناد حينما عزموا على الخروج : أيتها العير، أي يا أصحاب العير، إنكم قوم سارقون، فقفوا، فبهتوا وذهلوا. ثم التفتوا للمنادي، وقالوا : أي شي ء تفقدونه؟ فأجابوهم : نفقد صواع الملك الذي يكيل به، ولمن أتى به حمل بعير من القمح، وأنا به زعيم، أي كفيل ضامن. مما يدلّ على مشروعية الجعالة أو الوعد بالجائزة.
قال إخوة يوسف بعد اتّهامهم بالسرقة : والله لقد خبرتمونا في المرة الأولى، وعلمتم علم اليقين أننا ما جئنا لنفسد في أرضكم بالسرقة أو غيرها من التّعدي على حقوق الناس، ولم نكن يوما ما سارقين، فليست سجايانا على هذه الصفة.
فقال فتيان يوسف : فما جزاء السارق إن كان فيكم، إن كنتم كاذبين في نفي التّهمة عنكم؟ فأجابوا : جزاؤه في شرعنا أخذ من وجد في رحله، ومثل هذا الجزاء نجزي الظالمين للناس بسرقة أموالهم في شريعتنا أن يسترقّوا، أي أن يتملّك السّارق كما تملك هو الشّي ء المسروق. وهي شريعة إبراهيم ويعقوب عليهما السّلام، وهذا مراد يوسف. وإتماما لتنفيذ الخطة، بدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه للتورية وحتى لا يتّهم، ثم استخرج السّقاية من وعاء أخيه بنيامين، فأخذه منهم بمقتضى اعترافهم، وإلزاما لهم بمقتضى شريعتهم.
ومثل ذلك الكيد، أي التدبير الخفي، كدنا ليوسف، أي دبّرنا له في الخفاء، وأوحينا إليه أن يفعل لأخذ أخيه، وهذا من الكيد المشروع، لما فيه من المحبة والمصلحة المطلوبة، وهي حيلة مشروعة، يترتب عليها خير ومصلحة في المستقبل، دون إضرار أحد. ولولا هذا التدبير ما كان يتمكّن يوسف عليه السّلام من أخذ أخيه في نظام أو قانون ملك مصر، الذي لا يبيح استرقاق السارق، وكان يوسف يعلم بشريعة يعقوب، فما كان ليأخذ أخاه في نظام الملك في حال من الأحوال إلا في حال