تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١١٤٨
لذا بدئت هذه الآيات بأنه إن تعجب أيها الرسول النبي من تكذيب المشركين لك، وعبادتهم مالا يضر ومالا ينفع من الأصنام، مع ما يشاهدونه في واقعهم من آيات الله الكونية الدالة على قدرته التي لا حدود لها، فالأدعى للعجب والأغرب تكذيبهم بالبعث والقيامة، وقولهم : هل تمكن الإعادة بعد الفناء، أو التفتت ترابا؟ وهل يمكن أن نعود لخلق جديد؟! فحكم الله تعالى عليهم بأحكام ثلاثة لا نجدها في غير هذه الآيات :
الحكم الأول : أنهم أولئك الكافرون الذين جحدوا بربهم وكذبوا رسله، وتمادوا في عنادهم وضلالهم، لأن إنكار قدرة الله تعالى إنكار لوجوده ووحدانيته.
والحكم الثاني : وصف لأحوال عذابهم، فهم أولئك المقيدون بالسلاسل والأغلال، يسحبون بها سحبا في غاية القهر والذل والمهانة.
والحكم الثالث : زجهم في نار جهنم، أولئك هم أصحاب النار خالدون فيها في الآخرة، ملازمون لها، يمكثون فيها على الدوام، لا يحولون عنها ولا يزولون، بسبب كفرهم، وإنكارهم البعث وتكذيبهم الرسول.
ولم يقتصر إنكارهم على عذاب الآخرة، وإنما تهكموا وأنكروا أيضا عذاب الدنيا، فقال الله تعالى : وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ أي ويستعجلك هؤلاء المكذبون بالعقوبة في دار الدنيا، وهذا غاية الحماقة والتحدي والإمعان في الكفر، فهم يكذبونك أيها النبي بالعذاب الذي أنذرتهم به استهزاء، قبل الحسنة من الإمهال أو الإيمان، والسلامة والعافية من البلاء.
علما بأن هناك أمثلة واقعية يعرفونها، فقد خلت من قبلهم المثلات، وأوقعنا أنواع النقم، وشدائد العقاب بالأمم الخالية، وجعلناهم عبرة لمن اعتبر، وعظة لمن اتعظ. وهذا تبيين لخطئهم في أن يتمنوا المصائب، ويطلبوا إنزال أو إسقاط جزء من