تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١١٥٦
الله خالقهما وربّهما ومدبّرهما، وهو الإله الواحد فيهما لا ندّ له ولا شريك ولا نظير.
ثم أمر الله رسوله أن يقول للمشركين بعد هذا التقرير وإثبات ألوهية الله ووحدانيته : فلم اتّخذتم لأنفسكم من دون الله معبودات جوفاء هي جمادات، لا حركة فيها ولا عقل ولا وعي، ولا تفعل شيئا، ولا تمنع شيئا؟ ومع ذلك تجعلونها أنصارا؟! وإذا كانت تلك الآلهة لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرّا، فهي لا تملك لعابديها بطريق الأولى نفعا ولا ضرّا. فهل يستوي من عبد هذه الآلهة المزيفة مع الله الخالق القادر، ومن عبد الله وحده لا شريك له، فهو على نور من ربّه، وهو البصير المتفتح على الأشياء، المدرك حقائق الأمور. وأما من عبد غير الله فهو أعمى القلب والبصيرة، فاقد العقل والوعي، وهو في ظلمات يتخبّط، وفي متاهات يدور.
وكيف يتساوى الأعمى الذي لا يبصر شيئا، والبصير الذي يدرك الحق، ويهدي الأعمى إليه، وهل يعقل أن تتساوى الظلمات الدامسة العمياء، والنّور الأبلج الواضح، وما مثل الكافر إلا كالأعمى والكفر كالظّلمات، وأما مثل المؤمن فهو كالبصير المدرك، والإيمان كالنّور المبين الذي يضي ء الآفاق ودروب الحياة.
ثم قال تعالى : أَمْ جَعَلُوا أي بل جعل هؤلاء المشركون مع الله آلهة تناظر الرّبّ وتماثله في الخلق، فيتشابه خلق الشركاء بخلق الله، وهذا محض الباطل، ومجرد الوهم القاتم، فإن معبودات المشركين إذا زعموا أنها تخلق شيئا، وهم يعبدونها، فإنهم ضالّون مخطئون، إنهم لا يخلقون شيئا، وهم يخلقون، فكيف يشركونها في العبادة؟
أ فمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون. هل رأوا خلقا لغير الله، فحملهم ذلك ودعاهم اشتباهه بما خلق الله، على أن جعلوا إلها غير الله؟!


الصفحة التالية
Icon