تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١١٥٩
فيبقى الحقّ ويثبت، ويزول الباطل ويتبدّد. وما أجمل وأحكم هذا التشبيه وبيان النتائج، فأما الزّبد الطّافي فوق الماء فيزول ويقف على جانبي السّيل وفوق قدور المراجل، وأما النافع من الماء والمعدن فيبقى مستقرّا في الأرض، فيشرب الإنسان والحيوان والنبات والزرع من الماء، وتستفيد البشرية من المعادن الصافية بالحلي والصناعات المختلفة.
وعقّب الله تعالى على استقرار النافع وتبدّد الضّار بقوله : كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ أي إنه تعالى كما بيّن لكم هذه الأمثال، فكذلك يضربها بيّنات واضحات، لإيضاح الفارق المتميّز بين الإيمان والكفر، والحق والباطل.
والقرآن الكريم يجسّد الحق ونور الإيمان بإحياء القلوب، كما يحيي الماء الأرض بعد موتها ويبسها، وكما ينفع المعدن النّقي الناس في منافع كثيرة. وأما الكفر والضّلال والشّرك، فهو عديم النفع سريع الزوال، ويتبدّد فورا. وما ضرب هذا المثل إلا لخير الإنسان الذي كرّمه الله بالعقل ليختار النافع وهو الإيمان، ويترك الضّارّ المتلاشي وهو الكفر، فيكثر أهل الحق والإيمان بالحق والنّور، ويضعف أهل الضلال والكفران بالباطل والظلام.
ثم ذكر الله تعالى مصير أهل الحق وأهل الباطل، ومآل السعداء والأشقياء، ترغيبا وترهيبا، فقال : لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى أي إن الذين يطيعون الله ورسوله، وينقادون لأوامره، ويصدّقون أخباره، لهم الجزاء الحسن ونعيم الجنة، والخلود الأبدي في دار النعيم. والذين لم يستجيبوا لربّهم، فلم يطيعوا الله ورسوله، لا ينفعهم الفداء في الآخرة بجميع ما في الدنيا من أموال وأضعاف ما فيها، فلا يمكنهم أن يفتدوا من عذاب الله بمل ء الأرض ذهبا ومثله معه. ولو كان لهم كل ما في الدنيا، وقدّموا فداء من العذاب، لا يتقبّله الله منهم على الإطلاق. أولئك الذين