تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١١٧٦
العنادية، تبيانا للواقع، وتهدئة لنفس النّبي، ووعدا بنصره. وهذا الموقف يتجلى في أنه إن أريناك يا محمد في حياتك بعض وعيد المشركين من خزي ونكال، أو توفيناك قبل إرادتك ذلك، فما عليك إلا تبليغ رسالة ربّك، فمهمتك تبليغ رسالة الله، وقد فعلت ما أمرت به، وليس عليك تحقيق النتائج والتوصل إلى صلاحهم، وعلينا حسابهم ومجازاتهم على ما قدموا من خير أو شرّ. وقوله سبحانه : وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ بتخصيص البعض بالذّكر : مفهومه أن الأعمار تقصر عن إدراك جميع ما تأتي به الأقدار، مما يوعد به الكفار، وأن فتوحات المسلمين تأتي في المستقبل.
ألم ير أولئك المشركون في مكة أن الله يأتي إلى أرض الكفر، فينقصها شيئا فشيئا، ويفتحها المسلمون تدريجا، أرضا بعد أرض، ويتحقق لهم النصر، وتتسع أرض الإسلام على التوالي، حتى يعمّ الدنيا. والله يقضي القضاء المبرم، ولا يردّ حكمه النافذ، وليس لأحد أن يتعقّب أحكام الله، أي ينظر في أعقابها، فيناقشها أو يبطلها، وينظر أهي مصيبة أم لا؟ والله محاسب عباده قريبا في الآخرة، وعقابه آت لا محالة، فلا تستعجل عقابهم أيها النّبي، فإن الله محاسبهم ومعذّبهم في الآخرة بعد أن عذّبهم في الدنيا بالقتل والأسر والهزيمة. وسرعة حساب الله واجبة لأنها بالإحاطة والشمول، وليست بعدد قليل أو كثير.
وأما مكائد قومك قريش أيها النّبي فاصبر عليها ولا تأبه بها، فلقد مكر الكفار السابقون برسلهم، وأرادوا طردهم من بلادهم، وعذّبوهم، كما فعل النمرود بإبراهيم، وفرعون بموسى، واليهود بعيسى، وكما فعلت عاد وثمود وإخوان لوط، فمكر الله بهم، أي أحاط بمكرهم وأحبط خططهم وتدابيرهم. والمكر : ما يتمرّس بالإنسان، ويسعى عليه، سواء علم بذلك أو لم يعلم. وقوله سبحانه : فَلِلَّهِ الْمَكْرُ