تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١١٩١
و إيراد هذا الحوار سلفا في الدنيا ليكون حافزا على العظة والعبرة، وتحذيرا للناس من الوقوع فيه قبل أن يفوت الأوان، وييأس كل واحد من النجاة.
حوار آخر بين الشيطان وأتباعه
يجري حوار حاد يوم القيامة بين فئتين من أهل الضلال : بين الضعفاء الأتباع، وبين المتبوعين السادة، كما تقدم، وبين الشيطان وأتباعه من الإنس، نبّه الله تعالى سلفا في قرآنه على بنود هذا الحوار بنوعيه ليحذر العاقل، ويتجنّب الانزلاق من دعاة السوء، وهذا الحوار الثاني أضعف من الحوار الأول لأنه يشتمل على تبرؤ الشيطان من وساوسه، أما الحوار الأول فيتذرع فيه السادة خطأ بأن الله لم يهدهم إلى سواء الصراط. ويستوي الفريقان بتبرؤ المتبوعين من الأتباع. وصف القرآن الكريم مضمون حوار الشيطان مع أتباعه :
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)
«١» «٢» «٣» [إبراهيم : ١٤/ ٢٢- ٢٣].
هذا تصريح خطير بضعف كيد الشيطان ووساوسه، وبكذبه وخيانته في الدنيا، واعترافه بتحمّل أتباعه مسئولية ذنبهم وخطيئتهم، فإنهم هم الذين استجابوا لدعوة الشيطان من غير وجود سلطان له عليهم، فهو أي إبليس يقوم خطيب السوء، ولكنه

(١) تسلط.
(٢) بمغيثكم من العذاب.
(٣) بمغيثي من العذاب.


الصفحة التالية
Icon