تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٢١٢
إنذار وكتاب إلهي، فقال سبحانه : وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) أي لا تستبطئن هلاكهم، فليس من قرية أهلكت إلا بعد قيام الحجة عليهم، وإبلاغهم طريق الرّشد والحق، ولم يكن الهلاك إلا بأجل مقرر محدود، وكتاب واضح الشرائع والأحكام، وإنذار سابق بالعذاب، حتى تترك الفرصة لهم بالعدول عن عصيانهم، ومبادرتهم إلى سلوك جادة الاستقامة.
والمقصود بالآيات : أنه لو شاء الله، لعجّل العذاب للكفار المستكبرين، ولكن اقتضت حكمته إمهالهم لعلهم يتوبوا، فإن لكل أمّة أجلا معيّنا، لا تأخير فيه ولا تقديم، والله تعالى يمهل ولا يهمل.
وهذا تنبيه وتحذير شديد لأهل مكة وأمثالهم، وإرشاد لهم إلى الإقلاع عما هم عليه من الشّرك والعناد والإلحاد الذي يستحقّون به الهلاك، كما قال ابن كثير.
وأما الناس اليوم وربما في المستقبل، على الرغم من تقدم العقل البشري ونضجه، واكتشاف آفاق العلوم والمعارف الكونية، فإنهم فيما يتعلّق بالدين ما يزالون متأثّرين بالتقاليد الموروثة، وبالبيئات المعايشة، وبما يوجّههم إليه رجال الدين وسدنة الإرث القديم. ولكن التّمسك بالتقليد وإهمال دور العقل مرفوض في ميزان الحق والمسؤولية والحساب الإلهي في الدنيا والآخرة.
الرّد على مطاعن المشركين بالنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم
على الرغم من أن انتقادات المشركين وهم كفار قريش حول القرآن والرسول واهية ساقطة وسخيفة، فإنها كانت خطيرة تستوجب الإبطال والرّدع والتّوبيخ، لأنها لا تستند إلى منطق صحيح، ولا لحجة مقبولة، فضلا عن أنها تصادم الآداب والأعراف والواقع المشاهد، فهم يتّهمون النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالجنون والسفاهة، ويطالبون