تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٢٢٧
الضيوف يبيّتون شرّا، كما جاء في قوله تعالى : فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً [هود : ١١/ ٧٠].
فأجابوه بقولهم : لا تَوْجَلْ أي لا تخف، إنا نبشّرك بغلام عليم، أي أتينا لبشارتك بميلاد غلام ذي علم وفطنة وفهم لدين الله لأنه سيكون نبيّا، وهو إسحاق عليه السّلام، وذلك بعد مولد إسماعيل بمدة، وقول إبراهيم : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ [إبراهيم : ١٤/ ٣٩].
أجاب إبراهيم متعجّبا مستبعدا من مجي ء ولد حال كبره وكبر زوجته، ومتحقّقا من الوعد : أبشّرتموني بذلك بعد أن أصابني الكبر، فبأي أعجوبة تبشّرون أو تبشّرونني، فذلك غير متصوّر في العادة، وليس ذلك نفيا لقدرة الله تعالى في خلق العجائب.
فأجابه الملائكة مؤكّدين بشارتهم : قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ أي إننا بشّرناك بما هو حقّ ثابت، فأبشر بما بشّرت به، ودع غير ذلك، فهو صنع الله، ووعده الذي لا يتخلف، فلا تكن من القانطين اليائسين، فالذي أوجد الإنسان من التراب من غير أب ولا أم، قادر على إيجاد الإنسان من أي شي ء أراد، كأبوين عجوزين.
ردّ إبراهيم عليه السّلام مؤكّدا إيمانه بقدرة الله تعالى وأنه ليس قانطا يائسا، فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك، ولا يقنط ولا ييأس من رحمة الله إلا القوم الضّالون، أي المخطئون طريق الصواب. والقنوط : أتم اليأس.
هذه القصة تعلّمنا أدب الضيف، وأسلوبه في الأخبار، وزفّ البشرى، وأن الله قادر على كل شي ء، فهو الخالق القادر على تمكين الزوجين من الإنجاب، حتى في سنّ الكبر وفي الوقت غير المعتاد.