تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٢٣٥
و زروعهم وثمارهم، ولكنّ هؤلاء المكتسبين للدنيا، الذين لم يغن عنهم اكتسابهم، ليسوا في شي ء، فإن السماوات والأرض وجميع الأشياء لم تخلق عبثا ولا سدى، وإنما خلقت بالحقّ، ولواجب مقصود، وأغراض لها نهايات، من عذاب ونعيم. وإن الساعة (القيامة) آتية على جميع أمور الدنيا، فلا تهتم يا محمد بأعمال قومك، فإن الجزاء لهم بالمرصاد، فاصفح عن أعمالهم، من غير عتب ولا تعرّض، وهذا يقتضي مهادنة.
ثم آنس الله نبيّه وسرّى عنه في آخر الآيات بأن الله تعالى يخلق ما شاء لمن شاء، ويعلم تعالى وجه الحكمة في ذلك، لا هذه الأوثان التي تعبدونها. وهذا تقرير للمعاد، وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة (القيامة) فإنه سبحانه خالق كل شي ء، عليم بكل أجزاء الأجساد المتفتتة، والجميع صائرون إليه، محاسبون بين يديه.
توجيهات إلهيّة للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في تبليغ الدّعوة
اقتضت حكمة الله وخطّته أن يصفح النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم صفحا جميلا عن أذى قومه ويعاملهم معاملة سلمية وادعة آمنة، بالرغم من كثرة المضايقات، واستدامة الإيذاء والإضرار، ومقابل هذا الصفح الجميل : إنعام الله على نبيّه بألوان النّعم الكثيرة المتوّجه بإنزال السّبع المثاني (الفاتحة) والقرآن العظيم عليه، فهو المعجزة الخالدة والمفخرة الدائمة، قال الله تعالى واصفا هذه النّعم وواضعا توجيهات للنّبي المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم في تبليغ دعوته :
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٨٧ الى ٩٣]
وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١)
فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)
«١»

(١) هي الفاتحة، التي تثنى وتكرّر قراءتها.


الصفحة التالية
Icon