تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٢٤٢
سبب نزول هذه الآية : أن المشركين كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم من قيام الساعة، أو إهلاك الله تعالى إياهم، كما فعل يوم بدر استهزاء وتكذيبا، ويقولون : إن صحّ ما يقوله، فالأصنام تشفع لنا، وتخلّصنا منه، فنزلت. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت : أَتى أَمْرُ اللَّهِ ذعر أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى نزلت : فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فسكنوا.
موضوع الآية الأولى : أَتى أَمْرُ اللَّهِ : إعلان أن الأمر الموعود به، وهو قيام الساعة، متحقّق حادث لا محالة، وأنه تعالى منزه عن الشريك والولد، فهو إله واحد لا شريك له. وموضوع الآية الثانية : يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ : الإخبار بأن نزول الوحي بوساطة الملائكة، والتّنبيه على التوحيد الذي هو منتهى كمال القوة العلمية، والأمر بالتقوى الذي هو أقصى كمال القوة العملية، وأن النّبوة عطاء إلهي محض. والمراد من قوله سبحانه : لا إِلهَ إِلَّا أَنَا معرفة الحق لذاته، وأما المراد من قوله تعالى : فَاتَّقُونِ فهو معرفة الخير لأجل العمل به.
لقد استعجل الكفار المشركون ما وعدوا به من قيام الساعة أو نزول العذاب بهم استهزاء وتكذيبا بالوعد، فقيل لهم : أَتى أَمْرُ اللَّهِ قال فيه جمهور المفسرين : إنه يريد القيامة، وفيه وعيد للكفار. وعبّر عن وقوع القيامة بلفظ الماضي أَتى على جهة التأكيد أي للدلالة على التّحقق وثبات الأمر كأنه لوضوحه والثقة به وقع، وصار من الأحداث الماضية. ولم يكن هناك استعجال إلا ثلاثة أمور : اثنان منها للكفار في القيامة والعذاب، والثالث للمؤمنين في النصر وظهور الإسلام.
والمعنى : لما لم تقع القيامة بنحو سريع كما أخبر النّبي المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم قومه المشركين، نسبوه إلى الكذب، فأجابهم الله تعالى : قد حصل أمر الله وحكمه، ووجد من الأزل إلى الأبد، وتحقّق بنزول العذاب، إلا أن تنفيذ الأمر بإقامة القيامة