تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤١٤
و كما أنمناهم ثم بعثناهم، أطلعنا الناس عليهم وعلى أحوالهم، وهم أولئك الذين تشككوا في قدرة الله على إحياء الموتى وفي البعث وفي القيامة، فإن بعث أهل الكهف حجة واضحة على قدرة الله على البعث والإحياء، وليدركوا ويتيقنوا أن وعد الله بالبعث حق وصدق وأمر ثابت الوقوع، وأن مجي ء الساعة، أي القيامة أمر لا شك فيه، فمن شاهد أهل الكهف بعد مكثهم نياما ثلاث مائة وتسع سنين، علم صحة الخبر بصدق وجود البعث، لأن بعثهم من نومهم، كبعثهم من موتهم. وقوله تعالى :
وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ أي كما بعثناهم أعثرنا عليهم، والإعثار : إعلام الناس بخبرهم، وسمي ذلك إعثار، لأن من غفل عن شي ء ثم عثر به، نظر إليه وتعرف عليه، فكان الإعثار سببا في العلم بهم وبمعرفة أحوالهم.
لقد أطلعنا عليهم أهل زمانهم حين كانوا يتنازعون مع بعضهم في أمر القيامة، فمنهم المثبت لها ومنهم المنكر، ومنهم المؤمن بها ومنهم الكافر، فجعل الله اطلاع الناس على أصحاب الكهف حجة لأهل الإيمان، وفرح الملك وشعبه بآية الله على البعث، وزال الخلاف في شأن القيامة.
ثم انقسم القوم في شأن أهل الكهف، فقالوا بعد أن أماتهم الله وحين تنازعهم :
ابنوا عليهم بنيانا يسد باب كهفهم، لئلا يدخل الناس عليهم، حفاظا عليهم واحتراما لأجسادهم، والله أعلم بشأنهم، وهذه الجملة المعترضة للرد على المتنازعين في عقيدة أهل الكهف وفي أنسابهم وأسمائهم ومدة لبثهم، ثم قالت الطائفة الغالبة على الأمر والرأي في مواجهة الذين أرادوا طمس معالم الكهف، وتلك الطائفة وهم المؤمنون والملك قالوا : لنتخذن على باب الكهف مسجدا يصلي فيه المؤمنون، ويتبركون بمكانهم.