تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٣٠
و يكون المقصود من الآية عقد مقارنة بين الزائل والدائم، أما الزائل فلا قرار له، وأما الدائم فهو الثابت بنحو مستمر، والاستمرار إنما يكون ببقاء الأثر، والعمل الصالح الشامل للأقوال والأفعال الطيبة المرضية لله تعالى : هو الذي يحقق دوام الأثر، وفضيلة الثواب، وزهرة الآمال اليانعة التي يحلم بها الإنسان، وتحقق له دوام السعادة، ومتعة الحياة، والجمال الذي لا يزول، والفضل الإلهي الشامل، وجنة الخلد اليانعة، التي غراسها : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
مشاهد القيامة الحاسمة
مهما تعرض الإنسان للأحداث والمحن الدنيوية، فإنها تكون هينة صغيرة أمام أحداث القيامة الرهيبة، لأن أحداث الدنيا يعقبها دائما أو غالبا انفراج وزوال للكروب، أما أحداث الآخرة، فهي حاسمة شاملة لا أمل فيها بالتغير ولا الانفراج أو احتمال الزوال، لذا تكاد النفس أو الروح تنخلع من الجسد، ويشتد الضيق والألم، حينما يشاهد المرء ما يتعرض له الكون من تدمير وخراب، ويتسلم صحيفة عمله التي هي بمثابة الحكم القضائي المبرم الذي يتلقاه المتهم في محاكم الدنيا، ثم يزجّ به في غياهب السجون، لتنفيذ مقتضى ذلك الحكم. قال الله تعالى واصفا هذه المشاهد المفزعة والمخيفة :
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)
«١» «٢» «٣» «٤»

(١) ظاهرة.
(٢) وقتا لإنجاز الوعد بالبعث.
(٣) خائفين.
(٤) يا هلاكنا.


الصفحة التالية
Icon