تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٣٣
تقريع الكفار في موالاتهم العدو غير الله
كل عاقل مخلص يلتمس الخلاص لنفسه بمناصرة أو موالاة المحسن إليه، والمنعم عليه بالنعم الكثيرة، وكل جاهل خائن قصير النظر يوالي أعداء الله من الشياطين، على أمل تحقيق الخير أو دفع الشر، وهو أمل خادع، ثم يترك موالاة المنعم المتفضل عليه بكل نعمة، صغيرة أو كبيرة، وهو لون من الحماقة والطيش ونسيان المعروف، وهذا اللون من التوجه يجنح إليه أصناف الجاحدين والكافرين، فقال الله تعالى واصفا حالهم :
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٠ الى ٥٣]
وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣)
«١» «٢» «٣» «٤» [الكهف : ١٨/ ٥٠- ٥٣].
هذا تنبيه للناس على عداوة إبليس وذريته لهم، ولأبيهم من قبلهم، وتقريع لمن اتبع الأبالسة الأعداء، وخالف الخالق الناصر، ومفاده : واذكر أيها النبي حين أمرنا الملائكة بالإلهام بأن يسجدوا لآدم سجود تحية وإكرام، تكريما للنوع الإنساني، كما ذكر ذلك مرارا في القرآن الكريم.
فسجد جميع الملائكة، كلهم في وقت واحد، وكان هذا السجود في قول جماعة إيماء منهم نحو الأرض، لأن السجود في كلام العرب : عبارة عن غاية التواضع.

(١) أعوانا.
(٢) أي حاجزا أو مهلكا لهم.
(٣) واقعون فيها.
(٤) معدلا ومنصرفا. [.....]


الصفحة التالية
Icon