تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٣٩
و إن دعوت أيها النبي هؤلاء المشركين إلى دعوة الحق والهداية والاستقامة، فلن تجد لهم استجابة، ولن يهتدوا بهدايتك : هدي القرآن، أبدا، مهما قدّمت من الأدلة، وتأملت الخير منهم. وجعل الأغطية أو الأكنة على القلوب، وصمّ الآذان عن السماع، والبكم من غير نطق بالحق، كلها استعارات تعبر عن بعد الناس عن الهداية.
وذلك كله لفقدهم الاستعداد لقبول الإيمان والرشاد، بما أصروا عليه من الكفر والعصيان.
ومهما بغى أهل الكفر وتنكبوا طريق الهداية، فإن الله تعالى غفار ستار، ذو رحمة واسعة، لو يؤاخذ الناس فورا على ما اقترفوا من الخطايا والسيئات، لعجل لهم العذاب في الدنيا، على حسب أعمالهم، كما جاء في آية أخرى : وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر : ٣٥/ ٤٥]. ويختص الله المؤمنين بالمغفرة والرحمة، لأنه تعالى الغفور ذو الرحمة، والغفران والرحمة بترك معاجلة العقاب.
وإذا اقتضت الحكمة الإلهية عدم التعجيل بالعقوبة، فذلك لا يعني الإعفاء من العقاب، فإن الله تعالى جعل للعذاب موعدا حدده وهو إما يوم القيامة، وإما يوم العذاب الشديد من ألوان عذاب الدنيا كالحروب والصواعق والزلازل والبراكين والسموم القاتلة والأمراض الفتاكة وغير ذلك.
وتلك القرى أو المدن البائدة وأهلها مثل عاد وثمود ومدين وقوم لوط، أهلكهم الله لما ظلموا وكفروا وعاندوا، وجعل لهلاكهم موعدا لا محيد عنه، ومدة معلومة لا تزيد ولا تنقص، لن يجدوا عنه ملجأ أو منجى، وكذلك أنتم أيها المشركون احذروا ما أصابهم، فقد كذبتم رسولكم، ولستم بأعز علينا منهم، والمهلك : الإهلاك أو


الصفحة التالية
Icon