تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٥١
و مصلحا ما يمكنه إصلاحه في دائرة ملكه الواسع العريض، وقائما بما منحه إياه ربه من مقتضى الحكمة والعلم النافع، فبعد أن وصل المشرق والمغرب، اتجه من الشرق إلى الشمال، فاستنجد به أقوام الشمال، فأعانهم مخلصا لله من غير أجر ولا عوض.
وهذه الرحلة الثالثة أخبر عنها القرآن الكريم في الآيات الآتية، قال الله تعالى :
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩٢ الى ٩٨]
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦)
فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» «٧» «٨» «٩» «١٠» [الكهف : ١٨/ ٩٢- ٩٨].
هذه تتمة الرحلة الشاقة لذي القرنين سلك الطرق المؤدية إلى مقصده، لأنها سبب الوصول، فكان- كما ذكر المؤرخون- يدوس الأرض بالجيوش الثقال، والسيرة الحميدة، وتقوى الله عز وجل، فما لقي أمة، ولا مرّ بمدينة إلا دانت له، ودخلت في طاعته وكل من عارضة جعله عظة وآية لغيره. ثم وصل بين السدين (الجبلين العظيمين) بين أرمينية وأذربيجان، فوجد من ورائهما قوما من الناس شرقي البحر الأسود، وهم الصقالبة (السلاف) لا يكادون يفهمون كلام غيرهم، لغرابة لغتهم، وقلة فطنتهم ونباهتهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : الجبلان اللذان بينهما السّدّ : أرمينية
(٢) قبيلتين من ذرية يافث بن نوح.
(٣) أي جعلا من المال نتبرع به، وهو الخراج.
(٤) حاجزا حصينا.
(٥) أي قطع الحديد. [.....]
(٦) أي جانبي الجبلين.
(٧) أي نحاسا مذابا.
(٨) يعلوا عليه.
(٩) خرقا.
(١٠) مدكوكا.