تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٥٧
الله وأسراره لا تنفد، ولا تضبطها أقلام. ثم حضّ القرآن على صفة التواضع وإعلان العبودية لله تعالى، فذكر : قل أيها النبي للمشركين في مكة وأمثالهم : ما أنا إلا بشر مثلكم في البشرية، ليس لي صفة الملكية أو شي ء من الألوهية، ولا علم لي إلا ما علمني ربي، وعلم الله واسع محيط بكل شي ء، لا يحده حد، فمن آمن بلقاء الله وطمع في ثواب الله على طاعته، فليتقرب إلى الله بصالح الأعمال، وليخلص له العبادة، وليجتنب الشرك والوثنية، بعبادة أحد غير الله، فإن الإله المعبود بحق هو الله لا شريك له.
والشرك مرفوض بنوعيه : الشرك الظاهر كعبادة الأوثان، والشرك الخفي كفعل شي ء رياء أو سمعة وشهرة، والرياء : هو الشرك الأصغر، كما
جاء في حديث الإمام أحمد عن محمود بن لبيد، أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال : الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا، هل تجدون عندهم جزاء».
وسبب نزول آية : قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي.. هو ما
رواه الحاكم وغيره عن ابن عباس قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا : سلوه عن الروح، فسألوه : فنزلت : وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)
و قالت اليهود : أوتينا علما كثيرا، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة، فقد أوتي خيرا كثيرا، فنزلت : قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩).
وسبب نزول آية فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً الآية. هو ما
رواه ابن أبي حاتم وغيره عن طاوس قال : قال رجل : يا رسول


الصفحة التالية
Icon