تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٦١
خفت أقاربي العصبات من بني العم ونحوهم إهمال أمر الدين وتضييعه من بعد موتي، فطلبت ولدا نبيا من بعدي، يحرس بنبوته شأن الدين والوحي، وكانت زوجتي عاقرا لا تلد.
فكانت مسوغات الدعاء ثلاثة : ضعف البدن مع عقم امرأته، وكونه مستجاب الدعاء، وخوفه من ورثته من ضياع الدين بعد موته. ولم يكن خوفه من إرث المال، لأن الأنبياء لا يورثون،
جاء في الصحيحين أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لا نورث، ما تركناه صدقة».
في رواية :«نحن معشر الأنبياء لا نورث».
فامنحني وأعطني من جنابك وواسع فضلك وليا يلي أمر الدين، يكون ولدا من صلبي، يرثني النبوة، ويرث ميراث آل يعقوب، وهي وراثة العلم والنبوة، على الراجح، لا وراثة المال، فيرث ما عندهم من العلم، ويقوم برعاية أمورهم في الدين، واجعله يا رب برّا تقيا مرضيا عندك في أخلاقه وأفعاله، ترضاه وتحبه أنت، ويرضاه عبادك ويحبونه، ليكون أهلا لحمل رسالة الدين، وتعليمه وتبليغه، وإقامة شعائره.
وأما يعقوب فهو إسرائيل، وكان زكريا متزوجا بأخت مريم بنت عمران، ويرجع نسبها إلى يعقوب.
ولهذه الآية نظائر في القرآن الكريم، مثل : هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) [آل عمران : ٣/ ٣٨]. ومثل : وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) [الأنبياء : ٢١/ ٨٩].
ويلاحظ أن زكريا عليه السلام لما رأى من حاله، إنما طلب وليا أي ناصرا، ولم يصرح بالولد، لبعد ذلك بسبب عقم المرأة، وكبر سنه. ووصف الولي بأن يكون وارثا، يرث من آل يعقوب الحكمة والعلم والنبوة، والميراث في هذا كله استعارة.