تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٦٤
وقوع المطلوب المسؤول، وحصول البشر فعلا من الله سبحانه بحمل امرأتك بابنها يحيى : أن يعتقل لسانك، ويحبس عن الكلام، فلا تقدر على تكليم الناس، ومحاورتهم مدة ثلاث ليال، وأنت صحيح سوي الخلق، ليس بك آفة أو مرض أو بكم أو علة تمنعك من الكلام. وذلك كما جاء في آية أخرى : قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١) [آل عمران : ٣/ ٤١].
وقوله تعالى :«ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا» معناه صحيح الخلق، سوي من غير مرض ولا علة.
فخرج زكريا على قومه من المحراب : وهو مصلاه الذي بشّر فيه بالولد. وكان الناس ينتظرونه للصلاة في الغداة والعشي، فأشار إليهم إشارة خفية سريعة، ولم يستطع أن يكلمهم بذلك، مضمونها : أن يقولوا في الصباح والمساء في صلاتي الفجر والعصر : سبحان الله، وأن يذكروا الله، شكرا لله على ما أولاه، وقد كان أخبرهم بما بشّر به قبل ذلك. وفي الجملة : إن تعجب زكريا بهذه البشارة في قوله : أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ليست شكا في قدرة الله تعالى على خلق الأشياء من غير مثال سابق، ولا إنكار لما أخبر الله تعالى به، وإنما كان ذلك على سبيل التعجب والانبهار من قدرة الله تعالى من ولادة ولد من أم عاقر وأب عجوز كبير.
نبوة يحيى عليه السلام في عهد الصّبا
لا تكون النبوة أو الرسالة والتكليف بمهامها عادة إلا بعد سن الأربعين، ليكتمل العقل والوعي، والنضج الفكري، والكمال الجسدي والعاطفي، واستثناء من هذا المبدأ العام قد تكون النبوة ممنوحة من بداية الحياة، مثل عيسى، عليه السلام، إذ