تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٨١
و هذا الموقف الإيجابي من إبراهيم والسلبي من أبيه : له فائدته الكبرى في حساب التاريخ، ولا سيما في عصرنا حيث تخلص أغلب البشر من رجس الوثنية والشرك، وظهر الحق، وبطل الباطل.
اعتزال إبراهيم عليه السلام قومه
لما يئس إبراهيم الخليل من استجابة أبيه آزر لدعوة التوحيد وترك عبادة الأصنام، وعد أباه بالاستغفار له بناء على موعد سابق بالإيمان، واعتزل قومه، فوهب الله له ولدين نبيين إسحاق ويعقوب، رحمة من الله وفضلا، واستمر في هداية آخرين، لأن الرسول النبي لا يتوقف عن دعوته والقيام بواجبه، وهذا ما دونته الآيات الآتية :
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]
قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)
«١» «٢» [مريم : ١٩/ ٤٧- ٥٠].
بعد أن هدد آزر ابنه إبراهيم عليه السلام بالرجم بالحجارة، وطلب هجره والبعد عنه، قال إبراهيم قولا لطيفا لينا : سلام عليك سلام مسالمة ومفارقة أو وداع وترك، لا سلام تحية، فلا ينالك مني مكروه ولا أذى، لحرمة الأبوة، سأدعو الله تعالى في أن يهديك، فيغفر لك بإيمانك، إن ربي متلطف بي، يكرمني، ويجيبني إذا دعوته، وإنما استغفر له إما قبل أن يوحى إليه أن الله لا يغفر لكافر، وإما لوعد سابق من الوالد أن يؤمن، كما جاء في قوله تعالى : وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ [التوبة : ٩/ ١١٤].
(٢) اللسان في كلام العرب : القالة الذائعة، كانت في خير أو شرّ.