تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٨٩
أحوال أتباع الأنبياء
كان الناس إزاء دعوات الأنبياء بأحوال مختلفة ومواقف متباينة، فمنهم من آمن برسالاتهم واتبع دعوتهم، ومنهم من جحد بها وعارضها، ومنهم المتوسط الذي آمن ولم يعمل، وصدّق ولم يلتزم. وهؤلاء هم العصاة والفسّاق، وهذا التنوع في اتّباع الأنبياء دليل على صدقهم لأن رسل الإصلاح لا يلقون عادة الاستجابة من جميع الناس، وهذا ما أبانته الآيات الكريمة :
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٥٩ الى ٦٣]
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣)
«
١» «٢» «٣» «٤» [مريم : ١٩/ ٥٩- ٦٣].
بعد أن وصف الله تعالى الأنبياء بالإنابة والطاعة والسجود لله والبكاء خوفا من الله، ذكر موقف الناس من هؤلاء الأنبياء، فإنهم لم يكونوا جميعا على المستوى المطلوب، لقد جاء خلف سوء من بعد الأنبياء عليهم السلام، مخالفون وكافرون، ومقصرون وفسّاق، تركوا الصلاة المفروضة عليهم، وآثروا اتباع شهواتهم وأهوائهم بارتكاب المحرمات، على طاعة الله، فاقترفوا الزنى، وشربوا الخمر، وشهدوا شهادة الزور، ولعبوا القمار، بل وتأولوا النصوص عبثا ولهوا وجهلا، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها. فهؤلاء لهم جزاء شديد، إنهم سيلقون غيا، أي شرا وخيبة وخسارا يوم القيامة، لارتكابهم المعاصي، وإهمال الواجبات، فالغي : هو الخسران، والوقوع في الورطات، وإضاعة الصلاة : الكفر والجحود بها أو إهمالها وتأخيرها عن أوقاتها.
(٢) جزاء الغي.
(٣) آتيا منجزا.
(٤) فضولا من الكلام.