تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٤٩٤
شبهة المشركين في إنكار البعث وجزاؤهم
يقدّر الإنسان الأشياء ويفهمها بمجرد عقله المحدود وبقدر طاقته وإمكانه، فيقع في الضلال والخطأ، ولا ينظر بمنظار أقوى أو أوسع من علمه وقدرته، وهذا في الواقع سبب إنكار المشركين البعث، لأنهم نظروا للأشياء نظرة مجردة، وضعيفة، وعاجزة، فرأوا أن تفتت الأجساد وصيرورتها مثل التراب، هل يتصور إعادتها ذاتها خلقا جديدا، ونسوا أن أصل خلق الإنسان من تراب، وأن الله على كل شي ء قدير. وهذا ما تحكيه الآيات الآتية من شبهة المشركين في إنكار البعث مرة أخرى :
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٦٦ الى ٧٢]
وَ يَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠)
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢)
«١» «٢» «٣» «٤» [مريم : ١٩/ ٦٦- ٧٢].
روي أن سبب نزول هذه الآية : هو أن رجالا من قريش كانوا يقولون هذا ونحوه. وروي أن القائل : هو أبي بن خلف، جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وقيل : إن القائل : هو العاص بن وائل.
والمعنى : ويقول الإنسان (اسم للجنس يراد به الكافرون) أي يقول الكافر المشرك منكر البعث متعجبا، مستبعدا حصوله بعد الموت : هل إذا متّ وأصبحت ترابا، سوف أخرج حيا من القبر، وأبعث للحساب؟! وأسند الكلام لكل مشرك كافر، وإن لم يقله إلا بعضهم، لرضاهم بمقالته.
(٢) عصيانا.
(٣) دخولا.
(٤) مارّ على الصراط الممدود عليها.