تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٠٤
سبحانه وألوهيته وتنزهه عن الصاحبة والولد والشريك، وإذا كان الإله هو الخالق المبدع لجميع الأكوان والمخلوقات، فلا يعقل أن يكون لله ولد، إذ لا حاجة له إليه، إلا أن العقل الوثني وقع في هذا الإثم، فقال بعض مشركي العرب : الملائكة بنات الله، وزعم بعض الناس من الطوائف الدينية أن نبيا أو وليا صالحا هو ابن الله.
قال الله تعالى واصفا هذا الشذوذ المفترى :
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٨٨ الى ٩٥]
وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢)
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥)
«١» «٢» «٣» [مريم : ١٩/ ٨٨- ٩٥].
المعنى : وقال بعض أهل الكتاب : عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، وقال كفار من العرب : الملائكة بنات الله، هذان الفريقان زعموا أن لله ولدا، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا، ورد الله عليهم : لقد جئتم شيئا إدّا، أي شيئا منكرا عظيم الجرم والإثم.
تقارب السماوات أن تتشقق من هذا القول، وأن تتصدع الأرض وتتناثر أجزاؤها، وتسقط بصوت مرعب شديد، وتتهدم الجبال هدما خطيرا تتضعضع منه، لشدة نكرانه، إعظاما للرب وإجلالا له لأنهن مخلوقات على توحيد الله، وأنه إله واحد لا شريك له، ولا ندّ ولا نظير له، ولا ولد ولا مثيل، ولا صاحبة ولا زوجة له.
يروي ابن جرير الطبري في تفسيره عن مجاهد، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : أن هذه المقالة
(٢) أي يتشققن مرة بعد أخرى، على رتبة غير مقصودة.
(٣) الهدّ : الانهدام والتفرق في سرعة.